تفاصيل الخبر
أنجيلا ويلكينسون رئيسة مجلس الطاقة العالمي : علينا أن نرتفع فوق السياسة ونتعامل مع الطاقة كمصدر للأبتكار
التاريخ : 22 / 12 / 2022
800 مليون شخص فى العالم لا يحصلون على الكهرباء .. و3 مليارات لا يمكنهم الوصول إلي ترتيبات الطهي النظيف


العالم فى حيرة، بين الحاجة الشديدة للطاقة خاصة الوقود، والرغبة الأكيدة فى الحد من آثار التغيرات المناخية وتقليل الانبعاثات الكربونية. كلاهما حياة، وكلاهما مطلوب. لكن، كيف النجاح فى كليهما؟ هل حل أزمة المناخ فى التخلص التام من الوقود الأحفوري؟

خلال قمة المناخ السابقة وكل قمم اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ تمت مناقشة سبل الحد من تأثير التغيرات المناخية، و الخسائر والأضرار، وناقشت قضية الوقود الأحفورى والطاقة عموما. وهنا، علينا أن نسمع أصوات أصحاب تلك القضية المهتمين بها دائما، والمتهمين أحيانا بأنهم المتسببون فى احتراق كوكبنا.

مجلس الطاقة العالمى الذى تم تشكيله لأول مرة فى أوائل العشرينيات من القرن الماضى كان هدفه إعادة بناء أنظمة الطاقة بعد الأزمات، وأصبح يضم أكثر من 3000 منظمة عضو فيما يقرب من 100 دولة، بما فى ذلك الهيئات الحكومية والشركات الحكومية والخاصة والأكاديميون، وعلى مدى تلك السنوات تطور عمله وأصبح يشمل رؤى وبيانات ووجهات نظر من أولئك الذين يعملون على أرض الواقع فى مجال السياسة والحوكمة والتمويل والاستثمار ، بالإضافة إلى الأشخاص الذين ينتجون الطاقة ويستهلكونها ويديرونها ويوردونها معًا، وفى حوار لـ «الأهرام» تستعرض د. أنجيلا ويلكينسون رئيسة المجلس رؤيتها لربط تحديات الطاقة والمناخ ومسارات الحل.

وفيما يلى نص الحوار:

 

فى ضوء تزايد العوامل الجيوسياسية، والانكماش الاقتصادى والاضطرابات فى أسواق الطاقة العالمية والإقليمية، كيف يمكننا تنفيذ أجندة أمن الطاقة والمناخ بنجاح لزيادة وتيرة الحياد الكربونى؟

الحاجة الملحة لتسريع الحياد الكربونى تحتاج إلى إعادة التفكير فى أمن الطاقة والقدرة على تحمل التكاليف، ففى بداية هذا العام، سلط إصدار «وورلد إنريجى ايشوز مونيتور» السنوى الثالث عشر –التابع لنا- الضوء على زيادة التقلبات بمقدار 12 ضعفًا اعتبارًا من عام 2021. وكانت أسعار السلع الأساسية مصدر القلق الأكبر فى جميع المناطق، وكانت العوامل الجيوسياسية تجعل الجميع مستيقظين فى الليل، وبحلول شهر أبريل، سلط استطلاع «نبض الطاقة العالمي» الضوء على قيام قادة الطاقة بإعادة ربط أجندات أمن الطاقة وأمن المناخ بثقة. لكن الآثار غير المتكافئة لأول صدمة طاقة فى العالم مدفوعة بالطلب لم تبدأ إلا للتو فى إثارة أزمات تكلفة المعيشة والأمن الغذائي، مما تسبب فى تحول كبير فى المعنويات أدى إلى المزيد من أن القادة قلقون الآن من أن أزمة أمن الطاقة ستبطئ وتيرة التحولات النظيفة والعادلة فى مجال الطاقة، وتذكرنا الأزمات بمدى أهمية الطاقة المفيدة فى حياتنا.

لقد اعتبرت بعض مناطق العالم هذا أمرا مفروغا منه، لكن جميع مناطق العالم تعانى الآن الصدمة والألم.ولا يزال إضفاء الطابع الإنسانى على الطاقة هو أفضل طريقة لتمكين المجتمعات من النماء والازدهار من خلال التحولات العالمية فى مجال الطاقة، وبناء على ما سبق ذكره فلا يمكن اختزال الطاقة فى مقياس واحد.. نحن بحاجة إلى إدارة انتقالات الطاقة بشكل أفضل مع الاهتمام بأبعاد متعددة.

تسببت الآثار الاقتصادية لكوفيد-19 فى فقدان أكثر من 100 مليون شخص الوصول إلى الطاقة، لكن مع ارتفاع أسعار الطاقة وتحديات العرض، سيزداد عدد الأشخاص المحرومين من الوصول إلى الطاقة. كيف تواجهون هذه التحديات؟

رغم أن «صافى الصفر» - أى خفض كمية الغازات الدفيئة المنبعثة إلى الغلاف الجوى إلى الصفر- يمثل أولوية للعديد من الدول، فإن الوصول إلى الطاقة النظيفة يظل أولوية بالنسبة للكثيرين أيضا، لا سيما فى البلدان النامية.. فهل تعلم أنه لا يزال نحو 800 مليون شخص فى جميع أنحاء العالم لا يحصلون على الكهرباء على الإطلاق وثلاثة مليارات لا يمكنهم الوصول إلى ترتيبات الطهى النظيف؟ ومع ذلك نحن نعلم أن العديد من المجتمعات تريد إعادة البناء بشكل أفضل عقب الوباء. لكن الرؤى الإقليمية تبدو مختلفة للغاية. ومن هنا نحن بحاجة إلى التفكير فى كيف يمكننا مساعدة المجتمعات المختلفة ذات أنظمة الطاقة المتنوعة وفى مراحل مختلفة من التنمية للتقدم والخروج من هذه الأزمة الحالية بشكل أقوى، والعمل معا للحفاظ على انتقال الطاقة العالمى على المسار الصحيح.

كيف تنظرون إلى منتدى غاز شرق المتوسط ودوره فى الحد من أزمة الطاقة فى العالم ؟

يلعب منتدى غاز شرق المتوسط دورا مهما من خلال إقامة حوار إقليمى حول الغاز الطبيعي، حيث يساعد دول شرق المتوسط على صياغة سياسات للتعاون فى مجال الطاقة. كما تنطوى على شراكات بين القطاعين العام والخاص فى جميع المناطق. وتشمل هذه المبادرات عبر البحر الأبيض المتوسط تطوير مبادرات الربط البينى الثنائية، وشبكات الكهرباء الإقليمية، وتطوير وتجارة أنواع الوقود المعتمدة على الهيدروجين منخفضة الكربون على نطاق واسع. كما تعتبر التبادلات الإقليمية عبر الحدود أمرا حيويًا، وكذلك القيادة القوية من أجل إيجاد حلول لمشاكل الطاقة العالمية. ومنذ عام 2018 ، أقام منتدى غاز شرق المتوسط حوارًا إقليميًا حول الغاز الطبيعى يساعد دول شرق البحر الأبيض المتوسط على صياغة سياسات للتعاون فى مجال الطاقة. وفى وقت سابق من هذا العام ، عُقد أول حوار حول الطاقة المستقبلية فى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وأوروبا (MEFED) فى الأردن.

بينما يتأرجح العالم من ارتفاع أسعار النفط والغاز، فإن تداعيات الأزمة الروسية الأوكرانية قد كشفت عن معضلة كبيرة، حيث لا تزال الدول تعتمد بشكل غير عادى على الوقود الأحفورى وتكافح من أجل دعم الإمدادات على وجه التحديد فى الوقت الذى يقول فيه العلماء إن العالم يجب أن يقلل من استخدامه للنفط والغاز والفحم لتفادى ضرر لا رجعة فيه على كوكب الأرض.. كيف نحل هذه المعضلة؟

بالفعل لقد أدت هذه الأزمات المتفاقمة إلى إحداث أول صدمة عالمية للطاقة مدفوعة بالطلب. هذه لحظة مهمة فى العلاقة بين الطاقة والمجتمع، فمن الواضح أن تحولات الطاقة لا يمكن إدارتها باستخدام مقياس واحد - الكربون – ولا بدون تغيير تدريجى فى التعاون.فما نواجهه معضلة ثلاثية الأبعاد- وهو مصطلح يتم الحديث عنه كثيرا الآن برغم أن المجلس قد توصل إليه منذ أكثر من 15 عاما. وهو يعنى تتبع الأداء فى مجال انتقال الطاقة ويربط بين أمن الطاقة والقدرة على تحمل التكاليف وتحديات الاستدامة البيئية، فباستخدام «إطار عمل ترايلاما الطاقة العالمى» يمكن للبلدان أن تتعلم من بعضها البعض دون إعادة اختراع عجلة السياسة.

النتائج التى يحتاجها العالم والنتائج التى يريدها عملاء صناعة النفط والغاز على الأرجح متعارضة. تدعو خطط عمل هذه الشركات إلى زيادة إنتاج الوقود الأحفورى ، وهو ما يتعارض بشكل مباشر مع الهدف الرئيسى لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، كيف يمكننا أن نكون متفائلين بشأن مناخ أفضل؟

تضع رؤية الطاقة الإنسانية لمجلس الطاقة العالمى الأشخاص فى قلب عملية الانتقال، بما فى ذلك العملاء والعمال، لقد تعلمنا أن نرتفع فوق السياسة وأن نتعامل مع التنوع المتزايد فى أنظمة الطاقة كمصدر للابتكار والتعلم، هذا ليس وقت الذعر. .هذه لحظة مهمة لقيادة الطاقة والتعاون..إن المستقبل يتعلق بتعبئة الناس وجعلهم يصنعون مستقبل الطاقة. لا يتعلق الأمر بالأسواق أو الدول أو التكنولوجيا أو المال، ولكنه يتعلق بالتعاون والإبداع المشترك.

سيناريو «صافى الصفر» يعنى أنه يجب تجنب الانبعاثات من المنازل والنقل والزراعة والصناعة تمامًا، أو تعويضها بزراعة الأشجار التى من شأنها إزالة ثانى أكسيد الكربون من الغلاف الجوي. هل وضع المجلس خططًا للوصول إلى هذا السيناريو؟

باختصار، «صافى الصفر» ليس كافيا.. يتزايد التنوع فى الطاقة، ولا يوجد مقياس واحد يناسب الجميع كما لا يوجد وقت نضيعه.. فمن أجل الوصول للحياد الكربونى فى الاقتصادات دون زعزعة استقرار المجتمعات، يتطلب الأمر مناهج جديدة لانتقال الطاقة النظيفة والعادلة والمرنة، على وتيرة ونطاق, إن العالم يحتاج إلى المزيد من الطاقة من أجل التنمية المستدامة وطموحات الحياد المناخى - ليس فقط لتحويل نظام الطاقة العالمى الحالى من الوقود الأحفورى إلى الطاقة الشمسية (الرياح، والطاقة الشمسية، والحيوية).نحن بحاجة إلى نظام طاقة آخر - ضعف / ثلاثة أضعاف حجم أنظمة الطاقة الحالية لتلبية الطلب المتزايد. نتحدث عن دور التكنولوجيا الكبيرة ولكننا لا نتصرف بأفعال معقدة ومتنوعة عبر الأنظمة. تحتاج الدول والأسواق والمجتمعات إلى التعلم بسرعة كيفية العمل معا بشكل أفضل. إن إضفاء الطابع الإنسانى على الطاقة هو أفضل طريقة للنجاح - الحل لتجنب حالة الطوارئ الناجمة عن تغير المناخ التى تفرق بيننا هو تجميع الطاقة معًا. يجب ألا ننسى أن مستقبل الطاقة يخصنا جميعا، وألا ننسى ما تعلمناه فى المائة عام الماضية عن الطاقة من أجل السلام والازدهار!

ما العقبات التى تحول دون تحقيق التعاون فى مبادرات الطاقة النظيفة وما الذى يجب القيام به لتحسين محو الأمية فى مجال الطاقة؟

نحن نعلم أن مستقبل الطاقة سيكون أكثر تطلبا، وأن الشكل الجديد للطاقة يتمحور حول العميل. لهذا السبب يلتزم مجتمع الطاقة العالمى بإحراز تقدم كبير فى محو الأمية العالمية للطاقة بحلول عام 2030. المزيد من الناس، على كل مستوى من المجتمع ، يحتاجون ويرغبون فى فهم دورهم وخياراتهم بشأن الطاقة بشكل أفضل وكيف يمكنهم إحداث فرق. جزء أساسى من إضفاء الطابع الإنسانى على الطاقة هو تثقيف المستخدم، كما أن عدالة الطاقة تعنى أشياء مختلفة فى مناطق مختلفة. لا يوجد سباق لتحقيق صافى صفر. هناك سباقات متعددة ويجب أن يكون لدى الناس أكثر من حصان فى كل سباق.النقطة السوداء الكبيرة التى أراها عندما أنظر إلى السيناريوهات وخرائط الطريق هى عدم وجود أشخاص فى هذه الخطط المستقبلية. وهناك فجوة كبيرة بين ما يفعله العملاء وما يحتاجون إلى القيام به إذا أردنا تحقيق انتقالات ناجحة فى مجال الطاقة.


العودة الى الأخبار