تفاصيل الخبر
فى ألمانيا .. كيف أشعل «قانون التدفئة» الخلاف داخل الائتلاف الحاكم؟
التاريخ : 13 / 9 / 2023
الطريق إلى الجحيم ممهد دائما بالنيات الحسنة. ففى الوقت الذى أرادت فيه حكومة المستشار الألمانى أولاف شولتس أن تكون رائدة فى مجال حماية المناخ،


 جاءت هذه الجهود بثمن سياسى صعب للغاية. فقد تسببت أشهر من المفاوضات بشأن مشروع قانون التدفئة فى اشتعال الخلاف داخل الائتلاف الحاكم الألمانى، الذى يتألف من الحزب الاشتراكى الديمقراطى الذى ينتمى إلى يسار الوسط بزعامة المستشار أولاف شولتس، والديمقراطيين الأحرار الذى يركز على قطاع الأعمال، وحزب الخضر الذى يهتم بقضية تغير المناخ.

 وفى محاولة لتقليل البصمة الكربونية، وافق البرلمان الألمانى على تشريع لاستبدال أنظمة التدفئة التى تعمل بالوقود الأحفورى، بأخرى تعمل بالطاقة المتجددة، ومن أمثلتها «المضخات الحرارية»، وهى جهاز يستخدم لنقل الطاقة الحرارية من مصدر دافئ إلى خزان حرارى. وقد صوت النواب بالبرلمان بأغلبية 399 صوتا لمصلحة مشروع القانون، مقابل معارضة 275 نائبا، مع امتناع خمسة عن التصويت.

وبالرغم من حصول الائتلاف على الأصوات التى يحتاجها لتمرير القانون دون موافقة من أحزاب المعارضة، لكن من المرجح أن يحقق تمريره نصرا باهظ الثمن، حيث أثار القانون ردود فعل حادة وغير متوقعة فى معظم أنحاء البلاد، وتسبب فى انخفاض شعبية الحكومة فى استطلاعات الرأى.

من المقرر أن يدخل القانون حيز التنفيذ فى 1 يناير 2024، لكن عملية الانتقال الفعلية سوف تستغرق سنوات. فمن حيث المبدأ، ينبغى تشغيل أنظمة التدفئة المثبتة حديثا فى المبانى القديمة والجديدة بنسبة 65٪ على الأقل من الطاقة المتجددة. ومع ذلك، يمكن أن تستمر أنظمة التدفئة الحالية فى العمل ويمكن إصلاحها أيضًا عند الضرورة. كما يسمح القانون بتركيب سخانات الغاز بعد عام 2024 إذا كانت متوافقة مع الهيدروجين، مما يعنى إمكانية تحويلها فى وقت لاحق. وتنص الخطة، التى تم تخفيفها إلى حد كبير عن الاقتراح الأصلى، على تقديم إعانات حكومية لمساعدة الناس على تبديل أنظمة التدفئة بحلول عام 2045، من خلال صرف تعويضات تصل إلى 70% من تكلفة المضخات الحرارية التى تم تركيبها حديثا، اعتمادا على مستوى الدخل.

وكان التحالف قد رفع أهداف التوسع فى مصادر الطاقة المتجددة من خلال مضاعفة طاقة الرياح، وأكثر من ثلاثة أضعاف قدرة الطاقة الشمسية الكهروضوئية وطاقة الرياح البحرية من مستويات اليوم، لضمان أن الطاقة المتجددة تغطى ما لا يقل عن 80% من استهلاك الكهرباء بحلول عام 2030. كما قدمت الحكومة تشريعات لضمان توافر الأراضى الكافية للتوسعات المتجددة وتسريع إجراءات التخطيط والترخيص لهذه المرافق وخطوط الكهرباء اللازمة. وألغت الرسوم الإضافية على مصادر الطاقة المتجددة لتمويل التوسع فى مصادر الطاقة المتجددة من الميزانية الفيدرالية، وأطلقت نظاما رائدا لدعم الصناعة فى خفض الانبعاثات. وحول هذا الموضوع قالت كاتارينا دروج، من حزب الخضر: «إن مشروع القانون يعد خطوة كبيرة لحماية المناخ وفق جدول زمنى محدد». مضيفة «أنه يعطى خريطة طريق موثوقة للمضى قدما وبأسعار معقولة للجميع».

ويعد المدافع الرئيسى عن هذه الفكرة داخل الحكومة الائتلافية فى ألمانيا هو روبرت هابيك، من حزب الخضر، الذى يشغل منصب وزير الاقتصاد والعمل المناخى ونائب المستشار، الذى كان ذات يوم السياسى الأكثر شعبية فى البلاد، ولكن شعبيته تراجعت فى الأشهر الأخيرة. وفى الوقت نفسه، ارتفعت نسبة تأييد حزب البديل من أجل ألمانيا من ‪%‬15 إلى 21% فى استطلاعات الرأى، مما يجعله ثانى أكبر قوى سياسية شعبية فى البلاد.

واصطف الخضر بحماس خلف هابيك، بينما انقسم الحزب الاشتراكى الديمقراطى حول نفسه. فقد أيد شولتس الاقتراح بينما شكك آخرون فى الحزب من تأثير القانون المحتمل على المستهلكين. وقد اعترض الحزب الديمقراطى الحر بصوت عال، ووصف الاقتراح بأنه مكلف للغاية. فى الوقت نفسه، يشعر أعضاء الحزب الديمقراطى الحر المؤيد لقطاع الأعمال بالقلق إزاء كيفية تطبيق القانون بين ناخبيهم الليبراليين اقتصاديًا، حيث هاجموا هابيك بشدة. وقال مايكل كروس، المتحدث باسم الطاقة فى الحزب الديمقراطى الحر: «أستطيع أن أتفهم استياء الكثير من الناس». وأضاف كروس: «السبب فى ذلك هو أن وزارة هابيك تواصل طرح مشاريع قوانين أقرب إلى البرنامج الانتخابى لحزب الخضر منها إلى اتفاق الائتلاف. وهذا ليس جيدا لبلدنا». وقال ألكسندر دوبريندت، عضو حزب الاتحاد الاجتماعى المسيحى الذى ينتمى إلى يمين الوسط: «يخشى الناس أنهم لن يتمكنوا من تحمل تكاليف قانون التدفئة، وهذا الخوف له ما يبرره بوضوح، لذلك فإن مشروع القانون هذا يستقطب المجتمع»

على الجانب الآخر، سعى حزب البديل من أجل ألمانيا اليمينى المتطرف إلى استغلال حالة عدم الرضا الشعبى عن هذا القانون، حيث لم يعترض أى حزب برلمانى على القانون بنفس القدر من الحماس مثل حزب البديل من أجل ألمانيا. وفى الوقت نفسه، ارتفعت نسبة تأييد حزب البديل من أجل ألمانيا من 15% إلى 21% فى استطلاعات الرأى وفقًا لمتوسط استطلاعات الرأى الوطنية، مما يجعله ثانى أكثر القوى السياسية شعبية فى البلاد. ووصفت أليس فايدل، زعيمة الحزب، القانون بأنه «إبادة للرخاء بأبعاد هائلة حقا». ويقول خبراء سياسيون إن قانون التدفئة هو أحد أسباب الارتفاع الحاد الذى حققه الحزب فى استطلاعات الرأى مؤخرًا، حيث حافظ حزب البديل من أجل ألمانيا الشعبوى اليمينى على نسبة ثابتة تبلغ 20% فى استطلاعات الرأى، متقدما بنقطتين إلى أربع نقاط على الحزب الديمقراطى الاشتراكى الحاكم الذى ينتمى إلى يسار الوسط، ويسير بقوة فى عقبه.

فى هذه الأثناء، أظهر استطلاع للرأى نشر الأسبوع الماضى أن 19% فقط من الألمان راضون عن أداء الحكومة. وكشف استطلاع أجرته صحيفة «بيلد» الألمانية وهى الصحيفة التى هاجمت سياسة الحكومة فى مجال الطاقة والمناخ لعدة أشهر، أن 76% من الألمان يشعرون بالقلق بشأن مستقبلهم بسبب تغير المناخ، حيث قال 46% إن الحكومة تتصرف ببطء شديد فيما يتعلق بالمناخ.

لهذه الأسباب، أصبح قانون التدفئة الجديد فى ألمانيا يمثل أزمة حقيقية ذات عواقب تتجاوز ألمانيا بكثير. ففى حين يبدو أن العديد من الناخبين يدعمون التدابير الرامية إلى الحد من انبعاثات الكربون بشكل مجرد، فإن الأمور تصبح أكثر تعقيدا عندما يتعلق الأمر بتفويضات تتعلق بشيء شخصى مثل منازلهم، حيث سيحظر القانون المقترح تركيب أنظمة التسخين التى تعمل بالغاز فى السنوات المقبلة، واستبدالها بالمضخات الحرارية التى تعتمد إلى حد كبير على الطاقة المتجددة. فى حين أن تكلفة أنظمة التدفئة بالطاقة النظيفة مثل المضخات الحرارية سوف تزيد تكلفتها نحو 20 ألف يورو أكثر من سخانات الغاز التقليدية.

ربما تكون المشاكل التى يواجهها الائتلاف الألمانى فيما يتصل بقانون التدفئة بمثابة تحذير للساسة فى دول الاتحاد الأوروبى الأخرى، خاصة أنه ستكون هناك حاجة إلى مثل هذه التدابير إذا كانت دول الاتحاد الأوروبى جادة فى الحفاظ على الأهداف المناخية الطموح للكتلة. ولكن بعد رؤية ما حدث فى ألمانيا، ربما يتردد زعماء آخرون فى اتخاذ خطوات مماثلة.

العودة الى الأخبار