تفاصيل الخبر
نافذة على الصحافة العالمية.. عالم «مكيف» دون مخاطر
التاريخ : 11 / 9 / 2018
مع الارتفاع الشديد فى درجات الحرارة حول العالم الذى أدى إلى اندلاع حرائق غابات فى عدد من المناطق، اختارت مجلة «الإيكونوميست» البريطانية موضوعا يرتبط ارتباطا وثيقا بالصيف الخانق والحر ألا وهو التكييف. وحاولت المجلة أن تلقى الضوء على كيفية الاستفادة من المزايا التى توفرها أجهزة التكييف، وفى الوقت نفسه تفادى تدمير كوكب الأرض، حيث تعد تلك الأجهزة أحد الأسباب الرئيسية وراء ظاهرة الاحتباس الحرارى واختلال التوازن البيئي.


وفى تناولها لهذا الموضوع، ساقت المجلة فى عددها السابق بعض الأرقام المذهلة، حيث أشارت إلى أن مبيعات أجهزة التكييف فى فرنسا خلال الأسابيع الثلاثة الأولى من شهر يوليو الماضى ارتفعت بنسبة 192 فى المائة مقارنة بالفترة نفسها فى 2017. وفى اليابان، قدمت الحكومة مساعدات لبعض المدارس لتركيب أجهزة تكييف. وفى تكساس، وبناء على قرار أحد القضاة، تم استخدام أجهزة تكييف فى السجون.. ووفقا لوكالة الطاقة الدولية فإن استمرار معدلات النمو الحالية سيؤدى إلى زيادة عدد أجهزة التكييف المستخدمة حول العالم بنحو مليار جهاز خلال السنوات العشر القادمة مما يعنى ارتفاعا بمقدار الثلثين. وتقول المجلة إن هذا التزايد فى أعداد أجهزة التكييف - التى بدأ اختراعها فى عام 1902 - سيؤدى إلى إنقاذ حياة الكثير من الأشخاص، ونتذكر هنا أن موجة الحر الشديد التى اجتاحت أوروبا فى عام 2003 أدت إلى زيادة حالات الوفاة بما يتراوح بين 11 ألفا و17 ألف حالة. وتضيف أن اتساع استخدام التكييف يساعد أيضا على زيادة الإنتاج وتطوير التعليم، باعتبار أن الأجواء المكيفة ترفع القدرة على الاستيعاب والفهم، وبالتالى خلق ثروات فى أكثر دول العالم حرارة. كما كشفت دراسة أجرتها الجامعة الوطنية الأسترالية أن العاملين فى جهات غير مكيفة بمنطقة جنوب شرق آسيا لا يؤدون مهامهم بكفاءة خلال ما يتراوح بين 15 إلى 20 فى المائة من ساعات العمل. أما فى منطقة الكاريبى وأمريكا الوسطي، حسب حسابات الخبراء فى جامعة كاليفورنيا، فينخفض إجمالى الناتج المحلى بنسبة 1 فى المائة مع كل درجة ارتفاعا فى الحرارة فوق 26 درجة مئوية. ورغم كل تلك الفوائد تشكل أجهزة التكييف مخاطر بيئية جسيمة وتعقد ظاهرة الاحتباس الحراري. ولكن قبل أن نعدد المخاطر التى استعرضتها المجلة يجدر بنا التطرق إلى العوامل التى ستتسبب فى انتشار أجهزة التكييف بصورة أكبر خلال السنوات القادمة: - زيادة معدلات الأعمار.. فئة المسنين الأكثر عرضة للإصابة بضربات الشمس. - اتساع رقعة الحضر .. تحتاج المصانع والمنازل والمكاتب للتكييف فى حين لا يمكن تكييف الحقول. - النمو الاقتصادى .. مع زيادة الدخل يزيد الإقبال على شراء أجهزة متقدمة مثل المحمول والتكييف. - انتشار ناطحات السحاب.. تتسم المبانى شديدة الارتفاع باختلاف ضغط الجو بين الأعلى والأسفل مما يتطلب تكييفها بصورة أكبر. - المراكز التجارية العملاقة ومراكز معالجة البيانات لا يمكن أن تعمل بدون تكييف. المخاطر البيئية يجمع الخبراء على أن أجهزة التكييف من الأسباب الرئيسية وراء زيادة انبعاث الغازات المسببة لظاهرة الاحتباس الحرارى وتوسيع ثقب الأوزون، بل إن بعض العلماء يرى أن أجهزة التكييف مسئولة عن ارتفاع معدلات السمنة حول العالم، حيث يستسهل الكثيرون الجلوس بلا حراك فى ملاذاتهم المكيفة! وحذرت دراسة أجراها علماء بجامعة ويسكنسين - ماديسون الأمريكية، من أنه بحلول عام 2050 ستسجل 17 ألف حالة وفاة زيادة على المعتاد فى النصف الشرقى من الولايات المتحدة الأمريكية نتيجة زيادة انبعاثات الأوزون وغاز pm2.5 فى الغلاف الجوي، وأن أجهزة التكييف ستكون مسئولة عن أكثر من1000 من تلك الوفيات. مشكلة بيئية أخرى تتعلق بالتكييف هى استهلاك الطاقة، إذ تشير وكالة الطاقة الدولية إلى أن تشغيل أجهزة التكييف الموجودة حاليا فى العالم لمدة عام واحد يستهلك كهرباء بمقدار ألفى تيرا وات ساعة، مما يتسبب فى انبعاث 4 مليارات طن من غاز ثانى أكسيد الكربون. وحذرت الوكالة من أنه اذا لم يتم تحسين أداء أجهزة التكييف بصورة جذرية، فإن حجم استهلاك الكهرباء قد يصل إلى ستة آلاف تيرا وات ساعة بحلول عام 2050. أيضا تستخدم أجهزة التكييف غازات أخرى ضارة وفى حالة حدوث تسريب أو التخلص من جهاز التكييف تنفلت تلك الغازات التى تتسبب فى حبس الحرارة، بنحو ما يتراوح بين ألف وتسعة آلاف مرة أكبر مما يتسبب فيه ثانى أكسيد الكربون. الحلول اذا أردنا الاستفادة من المزايا التى توفرها أجهزة التكييف دون «قلي» كوكب الأرض، على حد وصف مجلة الإيكونوميست، يجب حدوث طفرة توعية فى صناعة أجهزة التكييف يراعى فيها: - تغيير غازات التبريد المدمرة للغلاف الجوى مما قد يخفض انبعاث الغازات المسببة للاحتباس الحرارى بما يوازى 90 مليار طن من ثانى أكسيد الكربون بحلول 2050. - رفع كفاءة وحدات التكييف لتكون أقل استهلاكا للكهرباء. -عند تصميم المراكز التجارية والشركات والمكاتب بل المدن بوجه عام خلال السنوات القادمة، يجب مراعاة كافة التفاصيل التى تضمن عدم احتياج تلك المنشآت لعدد كبير من أجهزة التكييف. وفى النهاية، سعى الإنسان للعمل والراحة وسط أجواء «لطيفة مكيفة» يجب ألا يأتى على حساب كوكب الأرض والأجيال القادمة.

العودة الى الأخبار